إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

اللص الفاضل

كنت أشاهد - منذ أيام- رائعة نجيب محفوظ وكمال الشيخ "اللص والكلاب"، التي تحكي عن شاب بسيط وفقير تعرّض لظروف قاسية في حياته بعد وفاة أبيه، فدخل السجن، وبعد خروجه، تعرف إلى فتاة ليل رافقته في أثناء رحلة انتقامه من أشخاص كثيرين في حياته.
واللافت للنظر حقًا في هذا الفيلم، أن بطلي الفيلم -شكري سرحان والجميلة شادية- من قاع المجتمع، فهو ابن بواب عمارة، دخل السجن ومطارد من القانون، وهي فتاة ليل، ورغم هذا المستوى الاجتماعي المنخفض، فإن شادية ترتدي ملابس غير منفرة وقريبة في الشكل من ملابس الكثير من السيدات في تلك الفترة، لا تتكلم بشكل فظ، ولا تستخدم ألفاظا خادشة، ومع أن سرحان يعيش معها في بيتها، فلا يمكنك أن ترى أي مشهد غير ملائم أو تسمع ألفاظا مُنفّرة.
وبينما أشاهد الفيلم، تذكرتُ -دون قصد- إعلانات قناة ميلودي، التي قاطعتُ قنوات الأغاني الخاصة بها منذ سنوات، ولكنني للأسف وبالمصادفة البحتة، شاهدت بعض لقطات الحملة الإعلانية الأخيرة الخاصة بهم، في أثناء وجودي بأحد الكافيهات، وبدأت –لا شعوريا- المقارنة بين الفيلم الذي يجسّد حياة ساقطة ولص، وهما أسوأ نموذجين يمكن أن يجتمعا معا، وممثلي إعلانات هذه القناة الدرامية وحملتهم "ميلودي تتحدى قلة الأدب"، والتي تأكدت أنها لا تتحدى قلة الأدب من قريب أو بعيد، وإنما تتحدى من لا يرغب في سماع قلة الأدب !!!

فهي تعرض قلة الأدب بذاتها، بتركيز وإتقان، وبالرغم من محاولتهم اللعب على فكرة أنهم لن يقدّموا إعلانات "أبيحة"، كما هو الحال في باقي قنواتهم، فإنهم نجحوا بجدارة في تقديم ميكس محترف من كل أنواع الانحطاط الأخلاقي!!!

فهل يعقل أن تكون فتاة الليل في الماضي، نموذجا أكثر احترما من فتاة إعلانات هذه الأيام؟!

واللص الخارج عن القانون، أشرف من فتي الإعلان الشاب المُتعّلم الذي لم يتعرّض لأي من الظروف القاسية التي تعرض لها اللص؟!

وكيف نطلب من أبنائنا وبناتنا أن يتّصفوا بالأخلاق، وبالأدب في الكلام، وبعدم استخدام الألفاظ البذيئة، وكيف نمنعهم من مشاهدة القنوات الإباحية، وهي الآن ضيف مقيم في بيوتنا ليل نهار، يشاهدها الآباء قبل الأبناء، لأنها مع الأسف قناة مسلسلات، وتعد من أكثر القنوات مشاهدة علي الإطلاق لدى أكثرنا؟!

وما هذا الإسفاف الذي يتم فرضه علينا كل دقيقة؟!
وما هذه الحال التي وصلنا إليها؟
وإلى أي مدى آخر سوف نصل؟
إن هذه القنوات -في رأيي- أسوأ وأكثر خطرا من القنوات الإباحية الصريحة في العالم، التي على الأقل لا تتخفى وراء أقنعة مزيفة، أو تدعي أنها تحارب "قلة الأدب"ّّ!!

أظن أنه لو كان العبقري نجيب محفوظ على قيد الحياة حتى الآن، لكان قد قام بتغيير اسم روايته البديعة وأسماها "اللص الفاضل"، وترك الكلاب لتكون وصفا لأشخاص آخرين!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق