إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 19 يونيو 2011

القائمة السوداء وتخوين الفارس الوحيد

يدهشني كثيراً مصطلح القائمة السوداء الذي أطلق على بعض الفنانين والمثقفين في المجتمع المصري، الذين لم يقفوا مع الثورة المصرية في بدايتها، وبصرف النظر عن أسباب هؤلاء الأشخاص، وهو شيء لا أهتم بمعرفته، حيث إن حرية الرأي واختلاف وجهات النظر حقٌ مكفول للجميع، بصرف النظر عن خطئهم من عدمه، فإن ما يدهشني حقاً هو نظرة التخوين والتكفير التي يحاول الكثيرون النظر بها لهؤلاء الأشخاص، وعلى رأسهم الفنان محمد صبحي الذي انضم من أول يوم لتلك القائمة!

أما ما يدهشني في تخوين صبحي، فهو نسيان –أو تناسي- من هو صبحي، الذي لم يكن أبداً فنانا عاديا منذ بدايته، أو على الأقل منذ بداية تبنيه -من وجهة نظري- للحركة الفنية في مصر، في منتصف الثمانينيات، عندما بدأ سلسلة "ونيس"، ويليه سلسلة مسرحياته التي دعا من خلالها إلى مهرجان المسرح للجميع، في الوقت الذي بدأ المسرح المصري فيه في الانهيار بشكل فظ ومرعب في التسعينيات!

وبعدها بدأ صبحي في تفعيل دور الفن في البناء، من خلال مسلسل ونيس، والمبادئ الجميلة التي تربينا عليها بفضله، ورغم كبر عمري في هذه المرحلة، فإنني أعترف شخصيا أنني تعلمت الكثير من صبحي وقتها، وفي كل حلقة كان صبحي يغرس نبتة جديدة في عقول الكثيرين منا، إذا تذكرنا القليل منها، فيمكن أن نتذكر بوضوح، كيف اهتم صبحي بأهمية تربية الأطفال في بيوتنا، وأهمية غرس الصفات الجميلة فيهم، مثل صلة الرحم، التعاون، الصدق، الأمانة، نظافة الشارع، وخاصة اهتمامه بنظافة الحارة ومحاولة إلقاء الضوء على مشكلة القمامة في الشوارع والحواري المصرية، وأتذكر جيداً أنه في هذه الفترة، كان الكثير من ساكني الحواري المصرية يتصلون بصبحي ليقولوا له إنهم مشوا على دربه، و قاموا بتنظيف الحارة والشوارع المجاورة، إلى أن أعاد الثوار هذه القصة مرة أخرى للحياة، عندما قاموا بتنظيف ميدان التحرير، في خطوة فريدة من نوعها، تحدث عنها العالم أجمع بانبهار.

ولم يكتف صبحي بهذا، بل تطرق لمشكلة أطفال الشوارع، وحاول إيجاد أكثر من حل لتلك المشكلة، من خلال الفن الذي يقدمه، بل وصل به الأمر إلى بناء مدينة "سمبل" الشهيرة التي حاول من خلالها جمع الكثير من أطفال الشوارع، ليرتقي بهم، ليس فقط بتعليمهم و تثقيفهم، بل أيضا بمحاولة تعليمهم الفنون الجميلة والرفيعة التي أؤمن بشدة أنها قد تكون السر في رُقيّ الكثير منهم، وتحويلهم من مجرد أطفال مشردين وبلطجية المستقبل إلي فناني الغد.

ولم ينس صبحي دور المسرح في هذه المرحلة، بل قام بإعادة اكتشاف أكثر من مسرحية، قدم من خلالها وجهة نظره السياسية، خاصة في مسرحيات كارمن وماما امريكا التي جُنّت أمريكا وإسرائيل أيامها منهما، وجن النظام حين حاول تقليد مبارك في مشهد ساخر، ولم يعبأ صبحي بضغط النظام عليه، خاصة في مسلسل "فارس بلا جواد" الذي رفض التليفزيون المصري عرضه في تلك الأيام، و قام صبحي بعرضه في قنوات فضائية خاصة، وذلك لأنه فضح الخطة الصهيونة من خلال هذا المسلسل، والكثير من أعماله التي يصعب حصرها.

ومؤخراً قام صبحي، ورغم كل الضغوط الإعلامية والسلبية الموجهة ضده، بمبادرة رائعة لجمع مليار جنيه، لإعادة بناء وإعمار آلاف المناطق العشوائية في مصر، التي أفرزت لنا في السنوات الأخيرة، آلاف المهمشين والبلطجية الذين انكوينا جميعاً بنارهم، خاصة بعد الثورة!

وفي الوقت الذي انشغل فيه الكثير من شبابنا، بتصنيف مَن مع الثورة ومَن ضدها، وإعداد القوائم السوداء والبيضاء، انشغل صبحي –كعادته- بإعادة بناء المجتمع!!!

والسؤال الآن: هل هذا الفنان -الذي أصّر أن يقدّم الفن الرفيع والصفات الجميلة لنا، في الوقت الذي كان فيه الآخرون يقدمون الفنّ المُسفّ على المسرح، وشعبولا يحط من ثقافة شبابنا أكثر وأكثر- يستحق منا أن نضعه معهم في سلة واحدة، ونسميهم جميعا باسم القائمة السوداء؟!!

أتمنى أن أجد لديكم الإجابة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق